مازال أمام إسرائيل الوقت لكي تدرك أن فكرة التطبيع ليست مجرد جسر للمرور من دون المشاركة في بنائه وفق قواعد حقيقية من السلام، حيث يؤمن العرب جميعاً اليوم بحقيقة دولة إسرائيل ولكنهم يحتاجون الكثير للإيمان بأنها صانعة سلام كما بقية الدول العربية..
لقد كنا ومازلنا نطرح هذا السؤال من زاوية واحدة تلك المرتبطة بالخلفية التاريخية للوجود الإسرائيلي في المنطقة، وقد مر زمن طويل والفكر السياسي العربي تحديداً في المنطقة يتحاشى أن يفكر بطريقة خارج هذا المسار، إسرائيل عليها ألا تنسى أن الشعوب العربية لديها تفسيرها التاريخي الواضح حول وجودها في المنطقة والكيفية التي أتت بها، صحيح أن إسرائيل أصبحت واقعاً في المنطقة ولكن ذلك ليس كل شيء، فإذا كانت إسرائيل تفكر خلال العقود السبعة بنفس الطريقة فهذا النوع من التفكير سوف يسهم في استمرار ذات الموقف وذات التفكير حول وجودها بالنسبة للشعوب العربية.
التطبيع مع إسرائيل من قبل الدول العربية ليس هو كل المشاكل ولا ذروتها في منطقة الشرق الأوسط، فمستقبل المنطقة لا يكتفي بتحقيق هذا الإنجاز كي تستقر المنطقة، فالمستقبل كما تظهره الحسابات الفكرية حالة من التحول والاستمرار المؤدي إلى مسارات متغيرة في جميع الاتجاهات، التفكير الإسرائيلي يجب أن يتجاوز التاريخ، لأن القضية لن تنتهي بمجرد الفوز بالتطبيع مع كل الدول العربية أو مع أهمها، وهو لا يعني السماح أو التنازل عن المطالبات المشروعة التي قامت وارتكزت عليها القضية الأهم في الشرق الأوسط.
في حالتنا العربية نحن نستند ونعتمد على إيماننا بأن شيئاً إيجابياً سوف يحدث في المستقبل، فالعرب يسعون للوصول إلى علاقات مفتوحة وسلسة في الشرق الأوسط، لأن لديهم إيماناً حقيقياً بأن السلام يجب أن يكون حقيقياً وبأن خطوات التطبيع ومعاييره حقيقية أيضاً، وبأن الضمانات الدولية من أمريكا حقيقية، هذه هي المعادلة المطلوب تنفيذها فحالة التطبيع ليست حالة ذروتها الاحتفال ولكن ما بعد ذلك هو الأهم، إسرائيل مطلوب منها ألا تتصور أن القضية سوف تذوب مهما كانت الشروط المسجلة فوق الورق لأن فكرة التطبيع يجب أن تدفع إسرائيل إلى إعادة تفسير تصرفاتها في ومع جيرانها.
إسرائيل لابد وأن تدرك أنه لن يكون التغيير الجذري فيما تطمح به حاضراً بمجرد إعلان التطبيع أو حدوثه مع أي دولة عربية، لأن هناك حالة من الزمن يجب المرور بها من أجل تحقيق الأهداف فقد نتمكن من معرفة كيف ستتطور الأحداث عند اكتمال حالة التطبيع في الفضاء العربي، ولكن الأزمة سوف ترتبط بمستقبل هذا التطبيع حيث تشترط حالة الشرق الأوسط تغييراً جذرياً في الفكر السياسي الإسرائيلي، فعلى إسرائيل أن تتغير ليس من أجل الشرق الأوسط فقط ولكن من أجل التطور في الاتجاه المؤدي إلى اندماجها مع جيرانها في المستقبل، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال وجود آليات تضمن الاستقرار للطرف الأهم شعب فلسطين.
إسرائيل الساعية للسلام مع دول الشرق الأوسط تدرك أن عليها الجمع بين معادلة قيم السلام وحقيقته على الواقع، من أجل تفسير وجودها في منظومة الشرق الأوسط، الطريق اليوم متاحة لجعل قيم السلام حقيقية في المنطقة وليس هناك حقائق أكثر تأكيداً من حق الشعب الفلسطيني، فالحقوق بطبيعتها تصبح عالية المخاطر إذا ما تم الإخلال بتنفيذها على أكمل وجه لصالح الطرف المستفيد، قضية الوجود الإسرائيلي في المنطقة يجب أن تتجاوز فكرة الانتصار إلى فكرة الاندماج الحقيقي الذي يثبت لشعوب الشرق الأوسط أحقيتها في الوجود على خريطة الشرق الأوسط.
المسرح السياسي في منطقة الشرق الأوسط ليس فارغاً فهناك دول كبيرة ومنها بالتأكيد المملكة العربية السعودية ومصر وإيران وتركيا والكثير من دول العالم الإسلامي القريبة سياسياً من منطقة الشرق الأوسط، فعندما تقول إسرائيل إنها ترغب في السلام فيجب أن تكون فكرتها عن السلام ليست مجرد الحصول على شيء مقابل لهذا السلام، النضج السياسي لإسرائيل لابد وأن يعتبر فكرة السلام فكرة حرة غير قابلة للتبادل المؤقت بأن تأخذ الأشياء بمقابل سياسي أو اقتصادي، الشرق الأوسط يدرك هشاشة فكرة السلام غير المكتمل ولا يعود السبب إلى الجانب العربي بقدر ما يعود إلى الجانب الإسرائيلي، لأن فكرة المصداقية أهم من الحصول على مقابل للسلام أو التطبيع.
مازال أمام إسرائيل الوقت لكي تدرك أن فكرة التطبيع ليست مجرد جسر للمرور من دون المشاركة في بنائه وفق قواعد حقيقية من السلام، حيث يؤمن العرب جميعاً اليوم بحقيقة دولة إسرائيل ولكنهم يحتاجون الكثير للإيمان بأنها صانعة سلام كما بقية الدول العربية، وفي النهاية لابد أن تدرك إسرائيل أنها لن تأخذ من العرب أكثر مما يودون منحه لها، لذلك عليها أن تفكر بجدية في تفسير كيفية وجودها في الشرق الأوسط في عالم متغير الجميع فيه يملك ذات الفرصة للقوة والتطور والنفوذ.




http://www.alriyadh.com/2035753]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]