المسؤولية الاجتماعية بدأت كمفهوم في 1913، وأولى سياساتها في المملكة كانت في 1968، إلا أنها وطوال 55 عاماً لم تقم بدورها كما يجب، وفيها خلط بين الأعمال الخيرية والأنشطة التطوعية، مع أنها لا تشكل إلا %15 من برامج المسؤولية الاجتماعية التي تشترط الاستدامة أو الاستمرارية، وتعمل على تحقيق خدمة ومنفعة عامة ودائمة بدون مقابل..
في سبتمبر من العام الجاري، كشفت وزارة الموارد البشرية السعودية، عن مساهمات القطاع الخاص في منصة المسؤولية الاجتماعية، والتي وصلت لنحو 102 مليون دولار وفق آخر الأرقام، وقدرت حجم المستفيدين من المبادرات المطروحة عليها وعددها 37 مبادرة، بحوالي خمسة ملايين شخص تم توزيعهم على 93 فرصة تنموية، وبقيمة إجمالية تجاوزت 17 مليون دولار، ونسبة قيام الشركات بمسؤولياتها الاجتماعية ارتفع من واحد في المئة عام 2019 إلى 4% في هذا العام، بمعنى أنه زاد بمعدل ثلاثة درجات في أربعة أعوام، وهو مؤشر جيد ومريح من الناحية الشكلية، إلا أنه في الواقع العملي لا يعني أن الأمور تسير في طريقها الصحيح، لأن أركان المسؤولية الاجتماعية تشمل الجوانب الاقتصادية والخيرية والحوكمة، وفي المجتمع المحلي لا يكون التركيز إلا على مجال واحد، وهو المجال الخيري قصير الأجل ومحدود التأثير، وليس فيه أثر تنموي ومستدام.
المسؤولية الاجتماعية بدأت كمفهوم في 1913، وأولى سياساتها في المملكة كانت في 1968، إلا أنها وطوال 55 عاما لم تقم بدورها كما يجب، وفيها خلط بين الأعمال الخيرية والأنشطة التطوعية، مع أنها لا تشكل إلا %15 من برامج المسؤولية الاجتماعية التي تشترط الاستدامة أو الاستمرارية، وتعمل على تحقيق خدمة ومنفعة عامة ودائمة بدون مقابل، وربما تقاطعت معها الأوقاف الإسلامية في بعض الجوانب، وهناك مواصفة عالمية أصدرتها (الآيزو) في أواخر ديسمبر 2008، تحتوي على بنود استرشادية للمسؤولية الاجتماعية، ولا توجد شواهد معروفة أو معلنة، بأقل تقدير، على قيام شركات خاصة أو عامة، بسفلتة ورصف طرق، أو بناء مدارس أو جامعات أو مستشفيات، بشكل مجاني، وهذه حقيقة تقبل بعض الاستثناءات المحدودة.
لعل أبرزها تمويل البنوك السعودية، ومن بينها البنك المركزي، لمشروع مركز التميز للتوحد، وبتكلفة تجاوزت 80 مليون دولار، وتكفل واحدة من شركات الاتصالات، بإنشاء 40 مركزاً صحياً في مجموعة من القرى البعيدة عن الخدمات الصحية، وتسليم إدارتها لوزارة الصحة، وهناك شركة مقاولات نفذت على حسابها شبكة الطرق لمدينة كاملة بشمال المملكة، بالإضافة لدعم القطاع غير الربحي في مجالات التدريب والتعليم والفئات الخاصة، كالأيتام وذوي الإعاقة والأسر المتعففة والمنتجة، وكلها تأخذ طابع السرية، وتمارس خارج المنصة، ويصل مقدار إنفاقها السنوي لقرابة 267 مليون دولار، والمفروض الإعلان عنها لتحفيز الآخرين.
القرآن الكريم يشجع على إظهار الصدقات لتعم الخيرية في المجتمع، بعيدا عمن يقوم بذلك لأغراض تسويقية أو دعائية أو نفاقاً، أو حتى يحصل على تسهيلات ومزايا حكومية، في إطار علاقة نفعية بينه وبين وزارة الموارد البشرية، والسابق محكوم بنموذجين، أولهما النموذج البريطاني، الذي يتناول الاقتصاد من وجهة نظر علماء الاجتماع، والمختصين في العمل التنموي، ويحاول خلق فرص لبناء عوائد وأرباح مالية تغذي الأعمال الخيرية، وثانيهما النموذج الأميركي، ويقوم على رجال الأعمال الرأسماليين، ممن يستثمرون في القطاع الاجتماعي، بلا دوافع إنسانية أو وطنية، وإنما لتلميع الشركة وتعظيم أرباحها، وهو المعمول به في أفضل 100 شركة عالمية في مجال المسؤولية الاجتماعية، وفق تصنيف معهد السمعة الأميركي، المعتمد من قبل مجلة (فوربس).
تعتبر شركة أرامكو الأولى على المستوى الوطني، وبالأخص في برامج المسؤولية الاجتماعية، ومعها شركة سابك وتحديداً في مجالات التعليم والتدريب، ومن ثم تأتي شركة الاتصالات السعودية، وبنوك الأهلي والبلاد والجزيرة والرياض والعربي والاستثمار، وكلها تقديرات تعتمد على آراء لخبراء في المسؤولية الاجتماعية، وبالمقارنة أشارت استبانة أجرتها مجلة (نيوزويك) الأميركية على 399 شركة في أميركا عام 2021، أن شركة (إتش بي للتقنية) تصدرت قائمة الشركات المهتمة بالمسؤولية الاجتماعية، وجاءت شركة (انفيديا) في المركز الثاني، وشركة (مايكروسوفت) في المركز الثالث، وهذه الأعمال تسهم بالتأكيد في تحسين سمعة الشركات، وفي زيادة مبيعاتها ومعدلات الإقبال على منتجاتها كمحصلة نهائية.
تعزيز المسؤولية الاجتماعية يمثل ركيزة أساسية في الإصلاحات السعودية، ويدخل ضمن الأهداف الستة الرئيسة التي تعمل عليها رؤية المملكة، وبعض الشركات كأرامكو والاتصالات السعودية، أصبحتا أكثر نضجا في هذا المجال، وانتقلتا إلى ما يعرف بـ(مواطنة الشركات)، وتجاربهما ينقصها التعميم، بخلاف أن المسؤولية الاجتماعية مرتبطة بالقطاع الاقتصادي والتجاري في المقام الأول، ثم القطاعين البيئي والاجتماعي، وبالتالي الأصح أن يكون ارتباطها بوزارتي التجارة أو الاقتصاد، إلى جانب وزارة البيئة، لأنها تمثل هويتها وتوجهاتها، فإدراجها الحالي ضمن قطاع التنمية في وزارة الموارد البشرية، هو السبب في تكريس الانطباع بأنها مجرد عمل خيري، وهذا التصور ناقض ولا يخاطب إلا جزءا بسيطاً من أولوياتها، ولا بأس من مراجعة المشروع المؤجل والمقر من مجلس الشورى، لإقامة هيئة للمسؤولية الاجتماعية تضم كل الجهات ذات العلاقة، لتوحيد إجراءتها وإغلاق باب الارتجال والاجتهادات، والعمل على مؤشر وطني يقيم وضعها في الشركات العامة والخاصة داخل الدولة.
http://www.alriyadh.com/2039958]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]