لم تعد مفردة «مشاركة» كلمة ضمن كلمات تعبر عن فعل من الأفعال الاجتماعية، لقد أصبحت المشاركة مصطلحاً ذا دلالة إحصائية، ومعنى ثقافياً، ورقماً يمكن تحديده بدقة بأساليب منهجية علمية ترتبط بمؤسسة محددة المهام وواضحة الأهداف ومعلومة الرسالة ترتكز على قيم مؤسسية مرتبطة بقيم إنسانية واجتماعية راسخة وثابتة المبادئ.
وليس هناك من الأمثلة حول مفهوم المشاركة أكثر وضوحاً في ظل هذا الحراك الاجتماعي الواعي من مشاركة المرأة في التنمية التي أصبحت علامة جلية من علامات المجتمع الحديث الذي حددت معالمه رؤية المملكة العربية السعودية 2030.
فقد عاد نصف المجتمع المتمثل في المرأة إلى أداء دورة المحوري في إنعاش كافة تفاصيل الحياة الاجتماعية. هذا الدور الذي كان قائماً وبارزاً خلال بدايات المجتمع السعودي، ولكنه مر بمنعطفات حدت من هذا الدور وحصرته في زوايا معينة إلى أن عاد للبروز في شكله الطبيعي المتوافق مع قيم المجتمع وأعرافه المعتبرة وقبل هذا دينه الذي أُسست عليه كل التفاصيل الصغيرة والكبيرة من أنظمة ومرجعيات وقواعد عامة وخاصة.
وقد عادت المرأة إلى ميدان المشاركة، والمساهمة في التنمية بموجب رؤية وطنية واضحة، وبرعاية ومتابعة تأخذ في الحسبان طبيعة المرأة وخصوصية المجتمع ونجاعة المشاركة، ومن أجل خلق مشاركة فاعلة ومستدامة وحيوية تتجاوب مع طبيعة التغيرات الحتمية الملازمة لطبيعة الحراك الاجتماعي، والتطور البشري، فقد توازى هذا الحراك مع إنشاء مراكز تهتم بهذا الجانب، وتقيس مدى فعاليته وما يحتاجه من تطوير ومن استحداث أنظمة وإضافة أساليب ورصد وتقييم.

ويأتي المرصد الوطني للمرأة ليكون إحدى المؤسسات الرئيسة الذي يشكل بيت خبرة يشتغل على المساهمة في رصد مشاركة المرأة السعودية في التنمية على عدة مستويات محلية وعالمية، ويؤدي دوره في دعم صناع القرار في مؤسسات المجتمع المدني من خلال مقاييس عالية الجودة بُنيت بالاعتماد على دراسات متخصصة ارتكزت على توظيف عدة مؤشرات تُمكن المتخصصين في المركز من بناء قاعدة بيانات ودراسات رصينة وواضحة المعطيات ليكون للقرار مرجعيته العلمية والعملية التي تُحدِد بدقة طرق تعزيز مشاركة المرأة في التنمية، وقياس مدى ما تحقق في هذا الجانب، وتعيين نوع الفجوة ومداها بين مشاركة الجنسين في التنمية.
إن صناعة المقاييس التي يمكن من خلالها رصد حركة التنمية، ومشاركة المرأة في هذا الحراك يأتي وفق عدة محاور استطاع المرصد أن يستخلصها بكل مهنية ومنهجية بنيت على جهود فريق عمل احترافي وإدارة جعلت من الإتقان والعمل المؤسسي أسلوب عمل وطريقة أداء، وقد جاء المقياس الذي يعتمد على عدة مؤشرات يقاس من خلالها مشاركة المرأة في التنمية في محاور خمسة: المحور التعليمي، والمحور الصحي، والمحور الاقتصادي، والمحور التنظيمي، والمحور الاجتماعي.
وكما استطاع المرصد أن يعتمد المقياس المناسب، وتزويده بالمتغيرات الضرورية التي تتطلبها طبيعة كل محور، فقد استطاع كذلك أن يحدد بدقة القيم التي ينطلق منها ويبني عليها كافة مشاريعه ودراساته والمتمثلة في قيم: التميز، والجودة، والشفافية، والمساهمة في التنمية، وخدمة المجتمع، والمصداقية، وهي قيم تبنى عليها كل المستهدفات، وتنطلق منها رؤية المرصد، وطبيعة العلاقة بينه وبين الجهات المستفيدة من خدماته ودراساته وتقاريره.
وقد نجح المرصد السعودي للمرأة ومقره جامعة الأميرة نورة، والذي يدار العمل فيه بكل جدارة واقتدار من خلال فريق عمل سعودي عالي التأهيل؛ في بناء جسور تواصل، ومد أيادي التعاون للمؤسسات التي تدخل ضمن الجهات التي يتفاعل معها ويؤدي كل منها دوره تجاه الآخر وفق ثقافة وطنية واحدة تؤمن بالتكامل المؤسسي، وتعتمد على تدعيم جودة المنتج من خلال التطوير المتواصل، وتقييم الأداء المؤسسي، والاهتمام بكافة التفاصيل داخل بيئة العمل والمحيط الخارجي، مما يستجد من دراسات وتقارير ومؤشرات يمكن الاستفادة منها في سبيل أداء تفاعلي يجعل الطموح لا يتوقف عند مزيد من التحسين والمواكبة والجودة.
ويمكن الوصول إلى خلاصة مفادها أن المرصد الوطني للمرأة؛ أحد المنجزات التي جاءت نتيجة لهذا الحراك الاجتماعي والثقافي والتنموي الذي صنعته قيادة عبقرية ملهمة، والمبني على إيجاد مقومات النجاح، وآليات التقييم التي تضمن الوصول إلى الجودة التي تتناسب مع مكانة المملكة العربية السعودية ومكانة المرأة السعودية داخل وطنها وخارجه، ومن ثم ضمان استدامة النجاحات المتحققة، وتحقيق الحياة المتوازنة بين شريكي الحياة وشركاء المهام العملية والعلمية ومعولي بناء الوطن –رجل وامرأة- من أجل وطن مزدهر وحياة كريمة ومشاركة دائمة فاعلة، وتأتي رؤية المملكة 2030 التي يقودها سمو ولي العهد لتكون خطة عمل، ومرصد دراسات، ومنجز تنفيذي، ونجاح مستدام متجدد لا يكتفي بالنجاحات المجزأة، وإنما بالنجاحات المتكاملة المتآزرة والمتواصلة.




http://www.alriyadh.com/2041555]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]