في ظل التطور الذي تشهده المعادلة الاقتصادية في المملكة، نجد أنماطاً جديدة من مشروعات ريادة الأعمال، التي تحظى بقبول جماهيري، وانتشار غير مسبوق في الشارع السعودي، يراها البعض إيجابية لتأثيرها الشعبي، والعوائد الاقتصادية الكبيرة التي تدعم الاقتصاد المحلي، وتفتح آفاقاً جديدة لنوعيات من الوظائف، وأنماطاً متعددة من الأنشطة الاقتصادية، ولعل خير دليل على ما ذكرنا الانتشار غير المعهود للمقاهي بأنواعها الفارهة، أو الشعبية، وما يقدم بداخل النوعين من خدمات.
مع احترامنا لاقتصاد ريادة الأعمال، فإن تلك الأنشطة استهلاكية في المقام الأول، وهذا ليس عيباً في حد ذاته، ولكن الأفضل أن تكون الأنشطة التي تدعم فلسفة ريادة الأعمال، صناعية تجارية، لها مردود على عمليات التصدير، وجلب العملة الصعبة، وفتح آفاق جديدة لشراكات استثمارية خارجية، ولكن مع تلك الأنشطة لا تصدير، ولا قيمة مضافة، تضيف للاقتصاد الوطني، لذا أرى أن الهجمة الشرسة على افتتاح المقاهي في جميع الأحياء دون دراسة، أو مراعاة لجماليات التخطيط العمراني للمدن والأحياء السكنية، وإشغال الأرصفة، فتلك المقومات لها تأثيرها السلبي على الذوق العام في الشارع السعودي.
لقد أضحت مشاريع المقاهي من المشاريع الجديدة التي بدأ الكثير من المستثمرين، وخاصة الأجانب في فتح فروع لهم في المملكة، وسبب الازدياد في تلك الأنشطة هوامش الربح العالية، والإقبال من الشباب على ارتيادها في جميع الأوقات، وكان الملفت التقرير الذي صدر عن البنك المركزي السعودي في يونيو الماضي، الذي فاجأنا بحجم الإنفاق من المستهلكين خلال أسبوع واحد بما يتخطى مليار وستمائة مليون ريال، وبالتالي يقترب حجم الإنفاق شهرياً ما يقارب سبعة مليارات ريال، وتبقى النقطة الأهم من مانحي التراخيص وهي التنسيق بين أماكن المقاهي، لأن الملفت في حال افتتاح مقهى في شارع، نجد عشرات المقاهي في نفس الشارع، مع احتلال الأرصفة، وأجهزة التلفزيون العملاقة أيضاً على الأرصفة، تلك مشاهد تحتاج وقفة ناقدة.
وعلى نفس النمط نجد محلات بيع المعسلات والتبغ والسجائر الإلكترونية، فبين المحل والآخر، تجد محلاً في المنتصف، هل تلك الأنشطة من برامج ريادة الأعمال؟ إننا أمام حالة فوضى حقيقية، ففي الوقت الذي تعمل الدولة جاهدة على معالجة آثار التدخين وأضراره، نجد انفتاحاً هائلاً على هذه النوعية من الأنشطة في كل الأحياء والشوارع دون استثناء، فكما كان النمط السائد فيما مضى كثرة محلات أدوات السباكة والكهرباء، والمغاسل، والحلاقين، تغيرت الأنماط لتشمل المقاهي ومحلات بيع التبغ والشيش وغير ذلك من اكسسوارات التدخين العصرية.
دعوني أتساءل عن فلسفة التخطيط لدى المسؤولين المعنيين بمنح التراخيص لتلك الأنشطة، هل توافرت الاشتراطات اللازمة للحصول على التراخيص؟ هل تكاثر تلك الأنشطة في أحياء وشوارع لن يساهم في تغيير التركيبة السكانية في تلك المناطق، نتيجة الإقبال من المستهلكين، إضافة لانحسار مفهوم الخصوصية للبشر السائرين في تلك الشوارع ليلاً أو نهاراً، أظن أن الأمر يحتاج إعادة النظر في منح التراخيص، مع التدقيق، وعدم حرمان المشاة من حقوقهم المشروعة بحرية المشي على الأرصفة التي لم تعد موجودة.
وفي الوقت الذي نرى تفعيلاً على أرض الواقع لبرامج رؤية المملكة 2030 الاستراتيجية في جميع المجالات، وخاصة في مجال الصحة والتحول الذي نشهده، تكون الرؤية الطموحة معظمة لفكرة الوعي والوقاية في مجالات الصحة العامة، والعمل على تنمية تلك الفلسفة التي ساهمت في رقي العديد من الأمم، نجد هذا التوسع في انتشار المقاهي والشيشة ومحلات بيع التبغ والسجائر الإلكترونية، إنها معادلة تحتاج حلاً لرموزها.




http://www.alriyadh.com/2044996]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]