قبل أشهر كنت قد كتبت عن هواجس الاحتيال المالي، لا سيما في ظل التطور المتسارع للتقنيات، وتلاحق الابتكار وتزايد الطفرات الرقمية ما يطرح معه بالمقابل وسائل وأساليب مستحدثة لا تُعلم ملامحها، والأهم أنها لا تكتمل أيضًا لأن لديها خاصية التطور والتحور المستمر تبعًا لتطورات التقنية المتجددة تلقائيًا.
استعدت هذه الأفكار وأنا أتابع باهتمام وتقدير ولادة نسخة جديدة من حملة التوعية المالية بعمليات الاحتيال المالي تحت عنوان (#خلك_حريص) والمنبثقة عن الجهد والاجتهاد النشط غير المنقطع للجنة الإعلام والتوعية المصرفية بالبنوك السعودية التي تواصل تقديمه بكل حيوية لبناء ثقافة مالية مجتمعية متينة، حجر الزاوية فيها "الوعي والمعرفة".
هذا التأكيد والاستمرار في ترسيخ الوعي المالي لا يأتي كمتطلب "رفاهي"، بل يدفع به أكثر من معيار أولها أن الأدوات والمعاملات المصرفية والمالية باتت تتصل بكل تفاصيل حياتنا اليومية، ما يجعل تبني مفاهيمها وفق أسس سليمة ومعرفة واعية، حتمية أساسية تسمح بممارستها بشكل مستدام يحقق أهدافها وغاياتها في تلبية متطلباتنا، وبما ينعكس لما فيه خدمة المجتمع والأفراد والاقتصاد.
يضاف إلى ذلك فإن لهذه الجهود أهميتها في إنشاء أجيال مؤهلة للاستفادة القصوى مما تتيحه أفاق الصناعة المصرفية والمالية من فرص ادخارية واستثمارية تنسجم مع المستهدفات الاستراتيجية لبرامج تطوير القطاع المالي المنبثقة عن رؤية المملكة 2030، وتصبّ في مصلحة تحفيز الاقتصاد المعرفي الذي تسعى المملكة إلى طرحه كعنوان من عناوين رؤيتها الطموحة.
بالمقابل؛ فإن الخطوات الحثيثة لتمكين المجتمع وتحديدًا الأجيال الناشئة والشابة بالمعرفة والثقافة المصرفية والمالية، تضع في جوهرها أولوية الحفاظ على سلامة بيئات التعاملات المصرفية، وتعزيز حصانتها من محاولات الاحتيال المالي حفاظًا على سمعة الصناعة المصرفية السعودية التي تحظى بمكانة متقدمة عالميًا، وحفاظًا مُلازمًا لحقوق العملاء، وهذا الأمر لا يتأتى إلا من خلال التسليم بأن "الوعي" هو الجدار الصلب القادر على صدّ أي محاولات للتحايل مهما تنوعت أشكالها أو قنواتها أو تزايدت درجت إغرائها.
فعلى مدار السنوات، تتكرر الرسائل التوعوية في مضامينها، تتحدث بعضها عن حث العملاء على عدم الثقة بالآخرين والغرباء بسهولة، وتجنب وهم فرص تحقيق الثراء الفوري والسريع ومسابقات الجوائز، وعدم التجاوب مع حملات الجوائز غير الموثوقة، أو التهاون في الكشف عن البيانات المصرفية والمعلومات الشخصية، وغيرها من الرسائل التي تحمل نصائح وإرشادات بلغة بسيطة وسهلة لا تستهدف إلا مصلحة العملاء لحمايتها من وسائل المحتالين. ورغم السمعة الممتازة لبيئة التعاملات المصرفية والمالية السعودية، على اعتبارها واحدة من أقل دول العالم تسجيلًا لعمليات الاحتيال، ومع ما تظهره كذلك المؤشرات الإحصائية من نمو متواتر في معدلات "الوعي" بمحاولات وأساليب الاحتيال، لكن الحاجة إلى الاستمرار في تكاتف الجهود في مجال الثقافة والمعرفة المالية تبقى قائمة بل وتتطلب المزيد.
فمهما تدنّت معدلات التعرّض لعمليات الاحتيال فإنها تشكل تشويشًا على الإطار العام للصناعة المصرفية والمالية والتي تخوض عملية تطور وتحول نوعي يمهد الطريق أمامها للولوج إلى المستقبل بثقة، وتسطير اسمها ضمن قائمة الكبار، وهذا لن يكون إلا بالعودة إلى السطر الأول: المعرفة المالية والمصرفية السليمة.




http://www.alriyadh.com/2045329]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]