درسنا وندرّس موضوع القيم الإخباريّة لطلاب الإعلام، ونقول إنها تلك المعايير التي تحدّد ما إذا كان الحدث أو القصّة ذات أهميّة كافية ليتمّ اعتبارها خبرًا، ثم نضع معايير ترتيب إبراز ومكان ومساحة القصة الإخباريّة تبعًا لمعايير مهنيّة تكفل اطلاع القارئ /المشاهد/ المستمع على المضمون بحسب الأهميّة والجدّة وتقديرنا لما يمكن أن يكون لها من تأثير على الجمهور المستهدف.
واليوم نرى أنّ جرائم الاحتلال الإسرائيلي على غزّة وحربه المسنودة من شياطين الغرب، ومخذولي الشرق على أراضي فلسطين هي الحدث الأبرز في الإعلام العالمي اليوم. ولا صوت يعلو فوق أصوات الأبواق الصهيونيّة وهي تحرّف التاريخ، وتشوّه الجغرافيا، وتستبيح كل القيم الإنسانيّة. والمتابع الذي يحلّل مراحل المشهد الإعلامي العالمي عبر العقود الماضية يعلم يقينًا بأن شؤون فلسطين وأهلها لا تظهر عناوين إعلاميّة رئيسة غالباً إلّا إذا تأذّى المحتلّ، أو ثار الرأي العام العالمي ضدّ جوره وطغيان داعميه.
وهكذا اختفت (أو كادت) تختفي أخبار أزمة أوكرانيا، وما يحدث في السودان من أحداث، وما جرّت وتجرّ من مآسٍ على الاقتصاد والسلم العالمي. لا نعلم اليوم كثيراً عن موقف الجيش الروسي، ووضع الصراع في المناطق الشرقيّة لأوكرانيا، ولا نعلم سوى القليل عمّا يجري في السودان. ترى ما مصير "حميدتي"، ولماذا أعفى الفريق البرهان قبل أيام أربعة وزراء من مناصبهم؟ والسؤال هنا كيف باتت أزمة السودان لا تعني أحداً في الإعلام العالمي المشغول بتبرير همجيّة المحتل الإسرائيلي، مع أن الوضع في السودان حرب مستعرة تستعدّ لإكمال عامها الدموي الأول بحصيلة قتلى تزيد على 20 ألف قتيل، ناهيك عن ملايين النازحين داخل وخارج السودان (وصل عددهم 7.1 ملايين نازح، بما في ذلك 3.3 ملايين طفل).
الجديد هنا مع خفوت أخبار السودان وأوكرانيا وبروز موضوع الحرب على غزة هو ظهور الصوت الثالث المنعتق من هيمنة المؤسسات الإعلاميّة المرتبطة بمصالح مع الغرب وتل أبيب.
والصوت الثالث هنا هو ذاك المتوسط في مكانه بين الداعمين لإسرائيل وغير المبالين في أوساط الرأي العام العالمي. وكان هذا الصوت يتردّد ضعيفاً في مواقع الإنترنت ومنتدياتها قديماً ثم توسعت دائرته مع انتشار الشبكات الاجتماعيّة، وبدأ يتردّد صداه مع الأزمة الأخيرة في غزة إلى العديد من مؤسسات الإعلام الليبراليّة التي تراهن على المزاج العام للناس (الجماهير) أكثر من مراهنتها على الأيديولوجيّة السياسيّة والدينيّة الغربيّة.
قال ومضى:
أكثر ما يُغيظ الغارق في الوحل نظافة ثياب من تجنّب خوض المستنقع.




http://www.alriyadh.com/2045493]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]