كان العالم قبل عام 2000م بأيام في حالة ترقب مصحوب برعب متواريين خلف الصمت خصوصا عند القريبين من الجانب التقني بما عرف بـ(ذعر عام 2000)، فانتقال أنظمة الحاسبات الضخمة التي تدار من خلالها الأنظمة المعقدة من الواحد (1) إلى الاثنين (2) قد يتحقق وقد لا يتحقق، وعدم تحققه يعني كارثة حقيقة فستصبح الكرة الأرضية عبارة عن قنبلة مكونة من جميع أنواع القنابل التي صنعها الإنسان، فالمفاعلات النووية ومولدات الطاقة وما في حكمها تدار ويتم التحكم بها من خلال الأنظمة الآلية، وارتباك هذا النظام يعني خروجه عن السيطرة وبالتالي خروج ما يدار من خلاله عن التحكم.
ظل الترقب وارتفع التوتر إلى أقصى درجاته مع اقتراب ساعة الصفر، ولكن ساعة الصفر مرت واستطاعت الأجهزة والأنظمة التعرف على القرن الجديد برقمه الـ(2).
عادت الأمور إلى مسارها ما قبل حالة الترقب، ولكن الدرس اُستوعب، فلم تعد الثقة في التقنية ثقة مطلقة بل ثقة مقيدة باحتمالات الخلل والعطل المُحتملة والمتوقعة من أي نظام مهما كان محكما فالآلة معرضة للمرض الذي قد يفقدها شيئاً من أهليتها مثلها مثل الإنسان الذي قد يتعرض لأي عارض صحي.
ظلت الأنظمة تتطور وتلبي حاجات الإنسان، واستمرت المجتمعات المتطورة في التعامل والاستفادة من خدمات البرمجيات في مختلف مؤسساتها وقطاعاتها، ولكنها أعادت حساباتها وعلاقتها مع الورق فلم تتلف الورق الذي يحتوي على معلومات نُقلت إلى العالم الافتراضي، وإنما عملت على أرشفتها وفق أعلى مستويات الأرشفة، وظل الورق وثيقة متداولة أو مؤرشفة، ورغم تحول الكثير من التعاملات الورقية إلى تعاملت رقمية (إلكترونية) إلا أن التوثيق الورقي وحفظه في مراكز الأرشيف المخصصة لكل مؤسسة استمر ولم ينقطع خصوصا في المعاملات ذات الطابع الأكثر أهمية.
كانت هذه التجربة بمثابة رد اعتبار للورق الذي كثر الكلام حوله، وفي الميدان الثقافي أخذ هذا المنحى التمثل في السؤال التالي: هل سينتهي الكتاب الورقي ويكون البقاء للكتاب الرقمي؟.
الإجابة.. والله أعلم كليهما سيظل موجودًا، ولن يلغي أي منهما الآخر، وإذا كان لا بد من إجابة محددة فإن الكتاب الورقي مادة لها وجود حقيقي يجري عليها ما يجري على المادة من قابليتها للتلف فقد يتلف بعضها ولكنها ستبقى أما الكتاب الرقمي فهو لا شيء في عرف المادة، وإن كانت موجودة ويمكن استخدامها وتداولها ولكن هذا التداول لا يجعل منها مادة فعلية، وإذا لا حظنا فإن الكتاب المحفوظ بصيغة (بي دي إف) على سبيل المثال إذا مررناه بشكل سريع متنقلين بين الصفحات فإنها تظهر بيضاء بلا كتابة، فهي في الحقيقة لا شيء، ومجرد صيغة برمجية.
ومن جهة أخرى فإن التقنية ينطبق عليها ما ينطبق على أي ظاهرة من الظواهر الاجتماعية - في الغالب وحسب طبيعة الظاهرة - فلكل ظاهرة اجتماعية ذروة تصل إليها ثم تتلاشى هذه الظاهرة أو تتحول إلى ظاهرة أخرى أو تنعدم الأسباب المحفزة لها والباعثة لوجودها.
د. عبدالله بن محمد العمري




http://www.alriyadh.com/2056117]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]