عرف ابن عبد ربه في -العقد الفريد- الأدبَ بأنه: «الأخذ من كل علم بطرف»، وفي ظني أن هذا التعريف يعتبر تعريفاً قديماً، باعتبار أن الأدب كان يمثل الثقافة بمفهومها الواسع لأن الأخذ من كل علم بطرف يعني: تنوع ثقافتك وتنوع معرفتك وعلومك المختلفة التي تكون أنت من خلالها قد اطلعت على العديد من الثقافات والعلوم بشتى أنواعها وأشكالها.
اليوم هذا التعريف بات مرتبطاً بالثقافة نفسها وشموليتها، كون الثقافة بالنسبة للأفراد تأخذ هذا المنحى، هي تعني شمولية الاطلاع أو بمعنى أدق: شخص شمولي الاطلاع بمعنى أنه «مثقف».
لكن بالنسبة لمفهوم الثقافة الشامل فهو يرتبط لدى المجتمعات بأمور كثيرة تشمل كل الفنون والثقافات والمعارف والاهتمامات المرتبطة ببيئة هذا المجتمع مثل: الملابس والعادات والتراث والآثار -كل ذلك بطبيعة الحال يشمل الثقافة- بمفهومها الشمولي لدى مجتمع ما.
لهذا فإن هناك فرقاً بين مفهوم الثقافة عند الأفراد وبين مفهومها بالنسبة للمجتمعات. كما أن هناك فرقاً بين مفهوم الثقافة في السابق ومفهومها اليوم، لأن الأدب كان في السابق هو كل شيء، فهو يتعلق بالمعارف والعلوم وحتى التربية، فقد كان اسم المربي «المؤدب» -بضم الميم- وكانت مهنة يمارسها البعض، مثلها مثل المعلم اليوم، فعندما يأتي إلى قصور بعض الخلفاء ويقوم بمهمة التأديب، فإنها تشمل تعليم الابن الأخلاق الفاضلة، ويعلمه القرآن الكريم وشيئاً من الفقه والدروس الدينية، ويطلعه على أخبار العرب وعاداتهم وأعرافهم وعلى بطولاتهم وشعرائهم وأشعارهم، وأبرز شخصياتهم التاريخية، وبهذا يجعل «المؤدب» من ذلك الابن شخصاً مثقفاً ومطلعاً، بالذات أبناء الخلفاء.
لأن الأدب في ذلك الوقت لم يكن يقتصر فقط على القصائد الشعرية أو النثريات أو المقامات التي كانت تكتب وتنشر أو حتى الحكواتي الذي يلقي نصوصاً قصصية، وإنما كان يشتمل على ثقافة واسعة، تشتمل على ثقافة متنوعة، وكان الشعر -الذي عرب بديوان العرب- هو وسيلة الإعلام الوحيدة، والقادرة على التأثير، فهو يرفع من شأن أقوام ويخفض آخرين، وقصة (بنو أنف الناقة) من القصص الشهيرة، فقد ذكر ابن عبد ربه في كتابه «العقد الفريد» هذه القصة، فقال: «كان بنو حنظلة بن قريع بن عوف بن كعب يقال لهم بنو أنف الناقة يسُبون بهذا الاسم في الجاهلية، وسبب ذلك أن أباهم نحر جزورا وقسّم اللحم فجاء حنظلة وقد فرغ اللحم وبقي الرأس، وكان صبياً، فجعل يجره؛ فقيل له: ما هذا؟ فقال: أنف الناقة. فلقُبِ به، وكانوا يغضبون منه، وأصبح أفراد هذه القبيلة أنف الناقة» يشعرون بالمهانة، وذلك حين سماعهم لهذا الاسم، واستغلت القبائل الأخرى هذا الأمر، وأصبحوا لا ينادونهم إلا به، لكن ما الذي حصل لهم، سمع بقصتهم الحطيئة أبو مليكة فقال فيهم:
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم
ومن يسوي بأنف الناقة الذنبا
وبعدها أصبح هذا الاسم مدعاة للفخر عندهم.
http://www.alriyadh.com/2058279]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]