لو كانت المسألة تنظيم مباراة أو تنظيم معرض عالمي، لكنا عرفنا من سيأتي وما هو مستوى وعيه وثقافته. لكننا في موسم الحج لا نعلم من هو الضيف على وجه التحديد؛ شعوب ولغات شتى لا يجمعها إلا الدين، جاءت بعاداتها وثقافاتها ووعيها المتباين بالملايين لتؤدي فريضة هي ركن من أركان الإسلام. يتنقلون في ذات الوقت والمكان بين مشاعر متفرقة لا أحد يصدق أنها تستطيع بمساحاتها المحدودة أن تستوعب هذه الأعداد المليونية.
ومهما بلغ المنظرون في تنظيرهم، فإنهم لن يستطيعوا تصور الواقع الذي يعيشه المنظمون لهذه الشعيرة، التي تتوزع بين مشاعر مختلفة ومسافات بالكيلومترات وجبال وسهول وبنايات. ولو نظرت إلى خارطة المشاعر المقدسة وتتبعت مسيرة الحجاج، ستدرك أن التنظيم ليس مجرد تذاكر وبوابات دخول وخروج، بل حالة بشرية يجب عليك أن تتنبأ بوعيها قبل أن تتنبأ بسلوكها وحركتها. ففي الحالات التنظيرية، الجميع يعلم مسيرة الحاج منذ وصوله إلى مغادرته، لكن في الواقع الموسم يعج بمئات الآلاف من الحجاج الذين لديهم اعتقاداتهم الخاصة التي لا يمكن تقويمها خلال موسم لا تتجاوز مدته بضعة أيام.
كيف تتصرف مع شخص قرر أن يصلي وسط جموع الطائفين أو يقف في منتصف المسعى وخلفه مئات الحجاج، ناهيك عن المفترشين والمبتدعين والمتحمسين بسلوكياتهم التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ ناهيك أيضًا عن شخص قرر أن يحول فريضة الحج إلى مناسبة سياسية يزايد بها ويتظاهر فيها ويستغل منبرها؟
المسألة في موسم الحج ليست مسألة متعلقة بالبنية التحتية الضخمة ولا إجراءات الحج المتقدمة، بل هي مسألة تتعلق بوعي الحاج ومستوى تعليمه ومدى إدراكه لمسؤوليته تجاه هذه الشعيرة ومشاعرها المقدسة. وهذه المسؤولية تقع على عاتق دولهم التي للأسف في غالبيتها تقبع في قائمة دول العالم الثالث وليست قادرة على تنفيذ برامج التوعية المسبقة لحجاجها حول ما يجب توقعه والاستعداد له وكيفية التصرف في مختلف المواقف.
لذلك، فإن التحدي الذي تواجهه المملكة كل عام لا يتوقف عند حدود التحكم في الحشود الضخمة أو تقديم الخدمات الصحية والغذائية والإسكان والنقل، بل يتجاوز إلى التعامل مع الاختلافات الثقافية والسلوكية للحجاج القادمين من مختلف أنحاء العالم. فكل حاج يأتي بأفكار ومعتقدات تختلف عن الآخر، مما يستلزم مرونة وفهمًا عميقًا لهذه التنوعات لحمايته وحماية الآخرين من جهله أو اجتهاداته الخاطئة التي ربما تتسبب بكوارث تلحق بمئات الحجاج.
إن النجاح الكبير الذي تحققه المملكة في تنظيم موسم الحج سنويًا هو نتيجة تراكم الخبرات والابتكار المستمر والتفاني في خدمة ضيوف الرحمن، لكن يبقى الدور على دول الحجاج في توعية حجاجها وتثقيفهم قبل إرسالهم إلى حتفهم نتيجة مخالفتهم للأنظمة أو تحديهم للظروف المناخية وتعريض أنفسهم للموت تحت حرارة الشمس.




http://www.alriyadh.com/2081345]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]