من حق الناس أن يتساءلوا عن كيفية إدارة الأزمات في دولة نووية عظمى مثل روسيا، والتي تشهد في الوقت الراهن أسوأ العقوبات الاقتصادية في التاريخ المعاصر.. الحقيقة، أن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قبل أيام، إلى فيتنام وكوريا الشمالية، تكشف بعضاً من هذه الاستراتيجية، وإذا كان البعض يرى أن الهدف الأساسي للزيارة هو إبرام صفقات سلاح مربحة تنقذ المالية الروسية المتعثرة، فإن الواقع يؤكد أن موسكو ليست في وضع مريح يسمح لها ببيع كميات ضخمة من الأسلحة في هذا التوقيت الحساس، وهذا يعني أن دوافع الزيارة لا تتعلق بمبيعات الأسلحة بشكل أساسي، ولكنها تستهدف أمرين أساسيين: الأول: إظهار روسيا بأنها ليست دولة معزولة، والثاني توسيع التعاون الاقتصادي مع الحلفاء في مواجهة العقوبات الغربية.
دعونا نتوقف مع زيارة فيتنام «الممزقة» بين الولايات المتحدة، الحليف التجاري، وروسيا، الحليف الشيوعي، فهذه الدولة يراها بوتين في وضع توازني للغاية، بمعنى أنها مؤهلة للانفتاح على روسيا، الرفيقة الكبرى، وفي الوقت نفسه، هي مؤهلة لإقامة علاقات متوازنة مع الغرب، وللمفارقة، فإن الولايات المتحدة الليبرالية، هي أكبر وجهة تصديرية لفيتنام، الشيوعية، في الوقت الحالي، لهذا، حرص الرئيس الروسي على قضم المزيد من الكعكة الفيتنامية اللذيذة بهدوء ودون صخب، عبر توقيع 11 اتفاقية، في عدة مجالات أبرزها النفط والغاز والتعليم والتكنولوجيا النووية والطب والوقاية من الأمراض والقضاء، وهذا التعاون المشترك يعد استكمالاً لتاريخ ممتد من العلاقات الجيدة بين البلدين، والذي تعود جذوره لأيام الحرب الباردة، فقد كان كلاهما حريصاً في تلك الفترة على إيجاد بدائل أمنية للصين والولايات المتحدة.
احتراماً للحليف الروسي، تتجنب فيتنام استخدام مصطلح «حرب» في وصف الصراع في أوكرانيا، لأنها تعتمد على موسكو في تلبية احتياجاتها الدفاعية، وهذا يعني أنها تصطف عملياً مع الجانب الروسي، ومن الطبيعي أن يجري بين الطرفين مفاوضات مكثفة حول كيفية التحايل على العقوبات لدفع ثمن الأسلحة، وليس غريباً أن يكون الروس هم الاختيار الأول للفيتناميين، اعترافاً بجميل تاريخي في أعناقهم، حيث سبق للاتحاد السوفيتي خلال الخمسينيات، استقبال مهاجريهم الفارين من الغزو الأميركي الذي استمر قرابة 20 عاماً، ففتح الروس أبوابهم أمام الأيتام والطلاب ورجال الأعمال الفيتناميين، واستثمر هؤلاء بقوة في روسيا وافتتحوا مشاريع مربحة للغاية، ولهذا، فإن نظرة الفيتناميين للصراع، تتلخص في أن روسيا لا تهدد أمنهم الخارجي، كما تفعل الصين في قضية بحر الصين الجنوبي، ولا تهدد أمنهم الداخلي كما تفعل الولايات المتحدة التي تطالبهم بتحسين حقوق الإنسان وتقليص النفوذ الصيني، ولهذا يعتبرون موسكو بديلاً مناسباً للقوى العظمى المناوئة.
برغم أهمية هذه الزيارات والاتفاقيات، إلا أن الحل الوحيد لنجاة الاقتصاد الروسي، والأوكراني، والاقتصاد العالمي عموماً، يكمن في تحقيق السلام، لأن الجميع سيخسر بدون السلام، فهو وحده الذي سيضمن تأمين سلاسل الإمدادات في بقاع سحرية من العالم، وكلما طال أمد الحرب، كلما أصبحت الأمور أسوأ، والوقت ليس في صالح أحد، ولا يجوز المراهنة علي الوقت في إنهاء الحرب لصالح طرف على حساب طرف آخر، وإذا استعرضنا أرقام الطرف الأقوى سندرك عدم جدوى استمرار «حرب الأشقاء»، فعسكرياً، قتل نحو 75 ألف جندي روسي على أقل التقديرات، أما اقتصادياً، فإن موسكو باتجاه استفحال الأزمة، وإذا كان البعض يروج لفكرة صمود الاقتصاد الروسي، ويستشهد ببعض أرقامه الجيدة، إلا أنهم ينظرون للنصف المملوء من الكوب ويتجاهلون النصف الفارغ، والحقيقة، أن جزءا كبيرا من نمو الاقتصاد الروسي يعود للاستثمار في القطاعات المرتبطة بالمؤسسة العسكرية، بينما تعاني العديد من القطاعات الاستهلاكية والخدمية التي تلبي احتياجات المواطنين اليومية، فيما تعاني البلاد عجزاً ضخماً، بلغ 11 مليار دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، ولن تتمكن من تغطيته إلا عبر تأميم بعض الصناعات أو زيادة الضرائب، وهذه إجراءات بغيضة تستنزف الاقتصاد وتفقر الشعب.




http://www.alriyadh.com/2081586]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]