لماذا لباس رائد الفضاء مصمم هكذا؟ ليس لمجرد العزل، بل إن حماية الرائد من أخطار الفضاء عملية ضخمة معقدة كما قال الطبيب بيتر وونغ في كتابه الشائق "الدرجات القصوى"، لأن الجسم لا يتحمل ارتفاعات عالية جداً لأسباب كثيرة، منها انخفاض الضغط الجوي الذي يعسّر تنفسّك إذا ارتفعتَ عن سطح الأرض، فكلما صعدتَ للأعلى قلّت قدرة الضغط أن يضخ الأكسجين إلى أغشية الحويصلات الهوائية والوصول إلى هيموغلوبين الدم. كمثال لقلة الضغط.. إذا وصل الإنسان لارتفاع 12 كلم يقل الضغط حتى يكون خُمس الضغط العادي. إذا طرتَ للأعلى ووصلت إلى 19 كم فوق سطح الأرض فإنك تصل لشيء يسمى خط أرمسترونغ، وهو حدٌّ يعني أن نقص الأكسجين في تيار دمك لم يعُد الشيء الوحيد الذي يهدد حياتك.
ماذا يحدث في خط أرمسترونغ؟ إنك تبدأ في الغليان! إنها شبيهة بقِدر الضغط في المطبخ، درجة غليان الماء ترتفع كلما ارتفع الضغط المحيط بها، ولهذا فإنك إذا وضعت الخضار فيه تُطبَخ بسرعة، لأن الضغط يرفع الدرجة التي يغلي عندها الماء ويسمح بدرجات حرارة أعلى قبل أن يغلي الماء، وهذا يجعل الطبخ أسرع مما يحدث في القدر العادي، وكما أن الضغط إذا زاد ارتفعت درجة غليان الماء فالعكس صحيح: كلما قل الضغط كلما قلت الدرجة التي يغلي عندها الماء. الماء يغلي عند 100 درجة مئوية، وإذا قل الضغط كما في قمة إفرست مثلاً فإن إبريق الشاي سيصل للغليان في درجة 70 مئوية، وأما في في خط أرمسترونغ فيكفي أن يصل لدرجة 37 مئوية.. أي حرارة الجسم البشري. يغلي الماء في الأنسجة، فقاعات البخار تتضخم وتُوَرِّم الأنسجة الرقيقة وتجعل الجسم ينتفخ كالبالون. الغريب أن الدم لا يغلي في الشرايين، لأن جدران الأوعية الدموية تمنع الماء في تيار الدم من أن يصل للغليان، لكن يختلف الوضع في الأوردة، حيث الدم يمشي في طبقات ضغط أقل بكثير، وفقاعات البخار تتشكل، وإذا طال التعرض للفضاء العالي فإن الفقاعات تكبر وتسبب نقاط اختناق هوائي وتوقف الدورة الدموية وفي النهاية القلب نفسه، لهذا فمن يتعدى خط أرمسترونغ عليه أن يستبدل القناع بحُلة فضائية مضغوطة تُحيطه بجوٍّ صناعي يسمح بالحياة.
لهذا ترى على الرائد تلك الحلة المضغوطة المحكمة الإغلاق، قطعة من جو الأرض يحملها الرائد معه ليسبر أغوار الفضاء.. حيث لا قدرة على الحياة إلا بأعظم العلم البشري.. وبالكاد.




http://www.alriyadh.com/1933420]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]