عندما يتسابق العداؤون في المضمار الأولمبي كل أربع سنوات، يتوج الفائز بالميدالية الذهبية في سباق المئة متر مثلاً، تخلع عليه الألقاب احتفالاً بفوزه الكبير. ومن الألقاب الشائعة لعدائي سباق المئة متر لقب أسرع رجل في العالم. ينال اللقب عادة من يحقق رقماً قياسياً، ينال به اللقب حتى لو اعتزل أو فشل في تجاوز رقمه القياسي أو حتى إعادة تحقيقه، ويظل هو أسرع رجل في العالم مدة طويلة.
العداء الجامايكي يوسين بولت حامل الرقم القياسي العالمي في سباق المئة متر يعد اليوم أسرع رجل في العالم رغم اعتزاله من خمس سنوات ورغم أنه خسر مرتين بعد تحقيقه الرقم القياسي الشهير في كأس العالم في برلين عام 2009م. ومع أن العداء حقق السرعة القصوى في مرات قليلة من حياته إلا أنه ظل محتفظاً بهذا اللقب مع بقاء رقمه القياسي العالمي دون أن يحطمه أحد. فهل أداء يوسين بولت القياسي في مرات قليلة يؤهله لأن يحمل لقب أسرع رجل في العالم إلى اليوم؟
كما يقول بارباسي، فإن الأداء منفصل عن النجاح، لأن الأداء متعلق بنا نحن، أما النجاح فمتعلق بالآخرين. وبناء على ذلك، لم يمنع انخفاض مستوى يوسين بولت بخسارته مرتين من استمراره في التمتع بلقبه الذي استحقه بالرقم القياسي العالمي. كما أن أداءه الذي من أجله نال اللقب، إذا قورن بأداء منافسيه، لم يكن أحسن منهم كثيراً. كان الفرق بين المركز الأول والثاني في سباق المئة متر في بطولة العالم التي حقق فيها العداء بولت بطولة العالم هو 13 جزءاً من الثانية فقط. كما إن حاجز العشر ثوانٍ الذي ظل العداؤون يتنافسون على تخطيه، تخطوه في الستينات من القرن الماضي، إنما لم يتجاوز المتسابقون المنافسة على نصف ثانية لأكثر من خمسين سنة بعد ذلك.
من مظاهر السباقات التنافسية هو التباين بين حجم الأداء وحجم النجاح. فرغم أن الفارق ضئيل بين أداء صاحب المركز الأول وصاحب المركز الثاني، إلا أن فارق النجاح شاسع بين الاثنين. فصاحب الرقم القياسي يتحول إلى رمز للعبة، بينما يكاد ينسى صاحب المركز الثاني. وإذا كان قياس سرعة اللاعب الفائز ليست محل خلاف في ألعاب القوى الرياضية خصوصاً في الجري السريع، فإن شبكات الاتصال مدفوعة بأدوات السوق المختلفة، لا تراعي الأداء بحد ذاته معياراً للنجاح مهما كان قياسه دقيقاً. فإذا كان الدخل المادي أحد مقاييس النجاح، فقد حقق بولت 31 مليوناً في سنة اعتزاله، ولن تجد عند المقارنة أحداً من منافسيه الذين تغلب عليهم بأجزاء الثانية يحقق معشار ما حقق في سنة واحدة. وكما مر في أمثلة سابقة، فإن الأداء وسيلة من وسائل النجاح إنما ليست معياراً دقيقاً يحتكم إليه عندما نبحث عن الاستحقاق، بين من يستحق الفوز ومن يستحق النجاح.
http://www.alriyadh.com/1946209]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]